“الكون هو كل ما كان، أو يكون، أو سيكون” – كارل ساغان
يقول المذهب الطبيعي إن ما يمكن اختباره وإثباته بالعلم هو وحده الحقيقي. وعندما تتوقف وظائفي البيولوجية، أتوقف “أنا” عن الحياة. وينتهي الأمر. لذلك فالغاية هُنا هي زيادة الحياة البيولوجية كماً ونوعاً. نحن نحتفي بالتطورات في مجال الاتصالات، والنقل، والصحة لأنها تُظهر تقدمًا في الاكتشاف العلمي، ونوعيَّة الحياة وكمَّها.
ينُص المذهب الطبيعي على أن الكون نظام مغلق تحكمه “قوانين الطبيعة”، وهذه القوانين وصفية، بمعنى أنها تصف ظواهر يمكن مُشاهدتها، وليست قوانين إرشادية مثل “لا تقتل”. ولا يوجد أحد متأكد من مصدر هذه القوانين أو سبب وجودها، فهي قوانين ثابتة لا تتغير، وليس لها أي استثناءات.
ولكن أليس مفهوم الحقيقة هذا فقير للغاية إذ إنه لا يشمل العديد من جوانب التجربة البشرية؟ النظريات والاختبارات العلمية ليست معنيَّة بتفسير الجمال، أو الحكمة، أو الحب. لكننا نعلم تمامًا أن هذه الأشياء موجودة بالفعل! ففي الواقع، غالبًا ما نجد جوانب الحياة هذه أكثر إشباعًا. إن قوانين الطبيعة غير كافية لإعطاء هدفًا أو معنى للحياة، فهي تصفها فحسب.
هل البشر حقًا مجرد حيوانات مُتطوَّرة؟ لماذا البشر وحدهم هم مَن يصنعون الفن، ويقعون في الحب، ويفكرون في معنى الحياة، ويشكلون المجتمعات بُناءً على الاهتمامات؟ لا يُمكن للمذهب الطبيعي تقديم إجابة وافيَّة عن هذا السؤال؟ إذا كنا نحن المعنيين أساسًا، فلماذا إذن لدينا مفهوم للمبادئ الأخلاقيَّة؟ كيف يمكننا الوثوق في تفسيرنا؟ يجب أن يكون تفسيرنا أيضًا نتيجة لأحداث عشوائية.
يتميز المذهب الطبيعي بأنه مذهب علمي يقوم على الأدلة والبراهين. وفي الواقع، المذهب الطبيعي هو أيضًا نظام إيماني تمامًا مثل الدين. السؤال الحقيقي هُنا هو ما يُقدَّمه المذهب الطبيعي، كلما كان الأمر واقعيًا، كلما كانت صورة الكون أكثر عقلانيَّة. يدعم المذهب الطبيعي كوكبة من المعتقدات الأخرى التي تنسف هويتنا البشرية، دعونا نتساءل عن كل مُعتقد من هذه المعتقدات.
# 1 نشأ الكون من انفجار عشوائي؟
ذات مرة، منذ مليارات السنين، كان هناك انفجار عظيم. هذا الانفجار كان لمادة صغيرة مُفردة شديدة الكثافة والحرارة (من أين جاءت تلك المادة؟) نتج عنه مليارات النجوم والمجرات. كيف نعرف هذا؟ لأنه يمكننا ملاحظة الكون وهو يتمدد، ومن ثم نستقرئ الزمن إلى الوراء باستخدام قوانين الفيزياء المعروفة.
حسنًا، من بين مليارات النجوم والكواكب التي نتجت عن هذا الانفجار العظيم، كان هناك أحد النجوم له حجم مُعين، وكان كوكبا ذا حجم مناسبًا وعلى مسافة مناسبة من هذا النجم، ويحتوي على كميات مُتوازنة من المواد الكيميائية التي تُتيح الحياة عليه. (حدث كل هذا بالطبع بمحض الصدفة، نتيجة للانفجار). ونظرًا لوجود مليارات النجوم والكواكب، فربما تكون هناك كواكب أخرى تصلح عليها الحياة. (ولكن درجات الحرارة والماء والجاذبية التي تتسم بها الأرض والصالحة للحياة تبدو فريدة جدًا لدرجة أنها لا تظهر في أي مكان آخر في المجرة.)
# 2 الحياة خلقت نفسها؟
حسنًا، بما أن الأرض صالحة للحياة، فقد أفرزت لنا التفاعلات الكيمائية عبر مليارات السنين حياة على شكل خليَّة أحاديَّة. “مع أن التولد التلقائي لم يكن مثار جدل العلماء”، ولم يتضح حتى الآن كيف وُجِدت مثل هذه الخليَّة الأحاديَّة بكل تحويه من تعقيدات البروتين، والحامض النووي اللازمة وما إلى ذلك. لا يُمكننا تكرار مثل هذا الحدث مرة أخرى، فقد حدث وانتهى، ولسنا متأكدين كيف حدث ولماذا. كل ما نعرفه هو متى حدث… قبل مليارات السنين. (الاحتمال الآخر هو أن الحياة على كوكبنا جاءت من مكان آخر في الفضاء، وهو ما يحمل السؤال حول أصل الحياة إلى مكان مختلف – الإشكاليات عينها).
حسنًا، بمجرد وجود مثل هذه الخلية البسيطة والمزدهرة، فما الأمر إلا مسألة وقت، مزيد من الوقت، لكي تتحوَّر وتصبح نباتًا، وهذا النبات أنتج كثير من النباتات الأخرى من جميع الأنواع. تحورت الخلايا الأخرى، فمنها ما أصبح سمك، ومنها ما أصبح مخلوقات بحرية أخرى. وتحوَّرت بعض هذه الكائنات ووجدت أنه من الأفضل لها الزحف على الأرض، ثم على مدى ملايين السنين تحورت أكثر وتطورت لتُصبح كائنات تمشي، وتركض، وتطير، إلخ. إلى أن وصلنا إلى النظم البيئية المعقدة التي نشهدها حاليًا. لقد أضيفت معلومات جديدة إلى الحمض النووي في كل مستوى من التطور من خلال ما يُسمى بالطفرات العشوائية (أخطاء في التكاثر). معظم الطفرات كانت ضارة بالطبع، لكن ساعد بعضها أشكال الحياة الجديدة على السباحة، والزحف، والمشي، والطيران، والرؤية، والاستماع، وما إلى ذلك. إن كل ما تحتاج إليه هو ملايين السنين من الطفرات العشوائية، وهذا ما نُطلق عليه التطوَّر. أليست الطبيعة مدهشة!
أنها تبدو مثل قِصة قبل النوم، أليس كذلك؟ نعرف أن هذا لا يمُت للعلم بصِلة، ولكنه قُدَّمَ على أنه علم. لذا عليك باختبار العديد من هذه الشطحات الإيمانية المذهلة التي وردت في مجمل القصة:
- ما سبب الانفجار العظيم؟ من أين جاءت المادة الخام؟
- كيف يُمكن للانفجار أن يُفرز مجرات تدور في نظام عجيب وأرضًا صالحة للحياة؟
- هل يمكن أن تخرج حياة من مواد كيميائية غير حية؟ في عام 1859 دحض باستير التولد التلقائي (التولد الذاتي). فقد أجرى تجارب أظهرت أنه بدون تلوث، لا يمكن أن تتطور الكائنات الحية الدقيقة.
- يُدرَّس التطور على أنه حقيقة، ومع ذلك لم يثبت أن الطفرات الجينية يمكن أن تضيف معلومات جديدة، ولكنها تنتقي فحسب معلومات من الحمض النووي الموجود بالفعل. فأخطاء الكتابة تغير من الكلمات، ولكن لا نحصل منها على معلومات جديدة.
- يصف داروين في كتابه “أصل الأنواع”، الذي نُشر عام 1859، عملية الانتقاء الطبيعي. فقد لاحظ بعض الأنواع التي تغيرت قليلاً على مدار أجيال لكي تتلاءم مع البيئة التي تعيش فيها. تظهر المشكلة عندما نستنبط هذه التغييرات الطفيفة على مدار ملايين السنين لشرح كل ما في الحياة. فالنظرية لا تتوقف على دليل تجريبي، بل على كيفية تفسيرنا لسجل الحفريات، وذلك لأن التطور لا يحدث سِرًا على مدار ملايين السنين.
- ولكن غالبًا ما يُظهر سجل الحفريات دليلاً على ظهور مُفاجئ لأنواع جديدة، وهذه هي مشكلة للتطور. لذلك فقد أضيفت نظرية أخرى في السبعينيات وهي نظرية التوازن المتقطع، وفيها يمكن أن يحدث التطور خلال 50,000 عام، وبسرعة كبيرة إذ لا نجد أي أحافير مُفيدة.
# 3 تأسس التطور على أنه حقيقة علمية تجريبية؟
ابحث في جوجل واكتشف أن عمر الأرض 4.5 مليار سنة وتعلم من ويكيبيديا أنه “كان يُعتقد على نطاق واسع أن نظرية الخلق صحيحة، ولكن منذ منتصف القرن التاسع عشر، أثبت التطور كحقيقة علمية تجريبية عن طريق الانتقاء الطبيعي”. وهذه هي وِجهة النظر السائدة في الأوساط الأكاديمية والمدارس العامة، والتي يؤمن بها معظم الشعوب في العالم الغربي. لكن هل هي حقيقية؟
لا. التجريبية، من حيث التعريف، تعني المُشاهدة عن طريق التجربة. لا يمكن اختبار التاريخ وأحداث ما قبل التاريخ في المختبر أو إثباتها، فنحن نتوصل إلى استنتاجات منطقيَّة بناءً على الأدلة. كان صاحب هذه النظرية يشير إلى التطور على أنه تفسير لأصولنا، والذي بحكم التعريف يستحيل إثباته بالتجربة.
إن فكرة داروين عن الانتقاء الطبيعي، أو التكيف الجيني مع البيئة، ليست جديدة حقًا. إذا تحدثنا عن تغييرات طفيفة داخل نوع من الأنواع عبر الأجيال، نعم، يمكن اختبار ذلك وإثباته، ولكن في هذه الحالة لا يتم إنشاء حمض نووي جديد. هل تعلم أن عملية الانتقاء الطبيعي هذه سُجِلت في الكتاب المقدس؟ في عام 1920 قبل الميلاد، استخدم يعقوب الهندسة الوراثية على ما يبدو لتعديل لون وجودة الأغنام والماعز. (تكوين 30: 32-43)
هل أخبرك أحد من قبل أن التطور كتفسير للحياة والوجود البشري ينطوي على مشكلات جمة؟ ربما لم تسمع بهذه المشكلات من قبل؛ لأن النظرية تهيمن على 99٪ من المجتمع العلمي اليوم.
دعنا نتأمل نظامًا من الأنظمة المُعقدة مثل العين، أو الأذن، أو حتى الطيران. وسنجد أن الطفرات دائمًا ما هي إلا عملية فقد للمعلومات، وليست عملية تخليق معلومات، فهذه الأنظمة تتطلب العديد من الطفرات الإيجابية المعقدة، والتي تحدث جميعها في آن واحد لكي تُعطينا أي نتيجة. كتب داروين ما يلي: “لنفترض أن العين بكل وسائلها التي لا تضاهى في ضبط التركيز على مسافات مختلفة، وقبول كميات مختلفة من الضوء، ولتصحيح الانحراف الكروي واللوني، كان من الممكن تشكيلها عن طريق الانتقاء الطبيعي، وأنا أعترف، هذا يبدو منافيًا للمنطق بدرجة كبيرة. داروين- كتاب، أصل الأنواع- جون موراي، لندن، ص. 186، 1859.
# 4 الأرض عمرها مليارات السنين؟
قدَّر عدد من علماء في القرن التاسع عشر عمر الأرض بحوالي 20-40 مليون سنة. وبحلول عام 1900 أصبح عمرها 80-100 مليون سنة. أما الآن فيقدر العلماء عمر الأرض بحوالي 4.5 مليار سنة، بناءً على التأريخ الإشعاعي للنيازك. ألست سعيدًا لأنك لم تتقدم في العُمر بمثل هذه السرعة؟!
يوجد أيضًا دليل على أن الأرض أصغر من ذلك بكثير، هل سمعت عن هذا الدليل من قبل؟ على الأرجح لم تسمع. هل هذه مؤامرة؟ ربما. إن تقديم نصف الأدلة فحسب هو أمر مضلل بالتأكيد، وتشويه للحقيقة، وتستر عليها.
إذا كانت الأرض موجودة منذ 4.5 مليار سنة، فأين يوجد كل الملح في المحيط؟ يمكننا أن ننظر إلى المعدل الحالي للملح المتدفق في البحار ونقرر هل يمكن أن يتدفق هذا فقط في خلال 62 مليون سنة، وليس في 4 مليار سنة، ولا يكفي لتطور الحياة كما نعرفها. أين ذهبت كل هذه الرواسب؟ إذا تراكم المقدار الحالي من الرواسب في قاع المحيط خلال 12 مليون سنة بالمعدلات الحالية، فلماذا لا يزال للأرض مجال مغناطيسي، ولا تزال البوصلة المغناطيسية تعمل؟ يجب أن يختفي هذا المجال المغناطيسي في معدلات التحلُل الحالية. وكيف يمكن أن يكون هناك ماس أو عظام ديناصورات مع الكربون 14؟ في منتصف دورة حياة تبلغ 5730 سنة، كان يجب أن يختفي الكربون 14!
- كل ما يبدأ في الوجود له سبب.
- بدأ الكون في الوجود.
- لذلك، للكون سبب.
إن المذهب الطبيعي العلمي كوجهة نظر عالمية ينطوي على العديد من المشكلات الكبيرة. ربما تريد التعمُق أكثر في
كيف نستوعب المعاناة؟ ثلاث طرائق
كثير من الناس مقتنعون أن الله لا يهتم بنا، وعادة ما يُقدَّم هذا المنظور على صورة سؤال: “إذا كان الله موجودًا، فلماذا يوجد هذا الكم من المُعاناة في العالم؟” هذا سؤال، لكن غالبًا ما يُقال على أنه دليل مقنع على عدم وجود إله. أولاً، دعنا نوسع من نِطاق هذا السؤال …
إله العمليات السريَّة: كيف ترى إلهًا سريًّا
هناك جانب آخر لسؤال المعاناة ووجود الله، فقد يتساءل المرء لماذا لم يجعل الله كلي القدرة وجوده أكثر وضوحًا. أين الله عندما تحتاجه؟ هل هو حقا كُلي القُدرة؟ هل هو حقا إله مُحِب؟ لماذا لا يتدخل الله؟ من السهولة جدًا أن نري الله حين يتدخل لمنع أي جريمة قتل أو …